كان عام 2011 حافلا بالتطورات والأحداث العلمية التي لم تخل من إثارة. ففيه ولد الطفل الذي أتم المليارات السبعة التي تقطن كوكبنا، واعتبر ذلك نجاحا يعزى لتطور الخدمات الصحية والاجتماعية. وثارت خلاله ضجة كبرى بمحاولة "كسر" الرقم القياسي في السرعة التي احتفظ بها الضوء لأكثر من قرن مما يشكل تحديا للنظرية النسبية التي قامت عليها الفيزياء الحديثة ويهدد بنسف أسسها، لكن من العلماء من تصدى لهذ التجربة بالنقد والتشكيك.
وشهد العام إعلان علماء من الهيئة الأوروبية للبحوث الذرية أنهم لمحوا "الذرة الإلهية" أساس كتل المواد، مما قد يوفر وسائل لدراسات أعمق لنشأة الكون. والحدث العلمي الأكثر إثارة خلال العام كان إعلان علماء فضاء عن وجود توأم لكوكبنا قد يكون صالحا للعيش.
مليار إنسان خلال 12 عاما
قبل ان يصل عدد سكان العالم الى الرقم 7 مليارات حسب ما كان متوقعا في 31 أكتوبر/ تشرين الثاني، دعت الأمم المتحدة في تقرير أصدرته، تهيئة لإعلان الرقم، الى إيلاء التنمية الاجتماعية أهمية خاصة.
ونوّهت الى ضرورة إحداث تغيير في الموقف، فبدلا من التوجس السائد من "كثرة" سكان كوكبنا، يجب ان يكون هناك سعي دائب الى جعل عالمنا أفضل مما هو عليه.
يشير التقرير الموسوم بـ "حالة سكان العالم 2011" إلى جوانب كثيرة، بينها ما اعتبره نجاحا للبشرية، فالزيادة الكبيرة في عدد السكان تعني، بالأساس، ارتفاع معدل العمر وتحسنا في مستوى الخدمات الصحية.
وفي هذا الإطار يذكر التقرير ان معدل العمر ارتفع بنحو 20 عاما منذ الخمسينات، فقد كان يقدر آنذاك بـ 48 سنة بينما بلغ حاليا 68 سنة.
وما يدعم فكرة أن زيادة السكان مردّها تحسن الرعاية الصحية والغذائية وانخفاض مستوى الوفيات المبكرة للأطفال، هو ان معدل الإنجاب انخفض بمقدار النصف تقريبا خلال العقد الماضي، حسب التقرير.
لكنه توقف عند التفاوتات الكبيرة بين بلدان العالم، بل وفي داخل البلد الواحد، داعيا الى أن تستند التنمية على تعزيز المساواة وتقليص الفوارق بين البشر.
ولتأمين ذلك لا بد من بناء عالم مستقر تسوده العدالة الاجتماعية، بما يضمن تقليص الفارق بين الشعوب في الحصول على مستلزمات الحياة الأساسية من ماء وغذاء إضافة الى الخدمات.
وأشار التقرير الى السرعة القياسية في ارتفاع عدد السكان، خصوصا أن هذا الرقم مرشح للزيادة وقد يتجاوز قبل نهاية القرن الحالي الـ 10 مليارات إنسان.
المقلق حسب التقرير هو ان عدم التناسب بين عدد السكان ومعدلات التنمية في البلدان الفقيرة يؤدي الى إبقاء شعوبها تحت تهديد الفقر والمجاعات.
وحسب الاحصاءات فإن عدد سكان الأرض ازداد بمقدار مليار نسمة خلال فترة 12 سنة، وكان الرقم حسب تقديرات المنظمة الدولية عند حدّ 6 مليارات في 12 أكتوبر/ تشرين الثاني 1999 .
لكن التقرير الدولي حث على أن لا تعتبر هذه الزيادة بمثابة "أزمة" بل يجب أن تشكل حافزا على تطوير الخدمات الصحية وتوفير التعليم لأكبر عدد ممكن من أطفال العالم.
أنشتاين ونظريته هدفا للتحدي
التجربة العلمية التي يمكن أن تحدث زلزالا كبيرا في علم الفيزياء، في حالة إثباتها، هي التي أجراها علماء من الهيئة الأوروبية للبحوث النووية (سيرن) سعوا من خلالها الى دحض النظرية النسبية النسبية.
يحدث ذلك بعد أكثر من قرن شكلت فيه هذه النظرية التي وضع أسسها ألبرت أنشتاين عام 1905، أحد الأعمدة الأساسية للفيزياء الحديثة.
النظرية النسبية تقول بأن لا شيء يمكن أن يسير بسرعة تفوق سرعة الضوء لأن جزيئاته لا وزن لها. وفريق علماء سيرن يقول إن جزيئات النيوترينو الدقيقة يمكن ان تتحدى هذه السرعة.
أطلق الفريق، المكون من 160 باحثا، شعاعا من تلك الجزيئات، انتجت في مختبرات سيرن، لتقطع مسافة 450 ميلا (725 كيلومترا).
في التجربة الأولى وصلت جزيئات النيوترينو كما يقول الفريق قبل شعاع الضوء بنحو 58 نانو ثانية أي 58 جزء من المليار من الثانية.
لكن التجربة أثارت شكوكا من قبل كثير من علماء الفيزياء تتعلق بظروف التجربة وطريقة إجرائها والأجهزة التي استخدمت والفرق في التوقيت الزمني بين نقطتي الانطلاق والوصول.
ولغرض تفادي الخطأ أعاد العلماء التجربة وقالوا هذه المرة ان الجزيئات سبقت الضوء بمقدار 62 نانو ثانية. لكن ذلك لم يغير موقف المتشككين، بينما اعتبر الفريق القائم بالتجربة النتيجة مؤشرا إيجابيا على استنتاجاته.
ومع ذلك فإن العلماء من الجانبين يعتقدون ان من المبكر القول إن "إنجازا" ثوريا قد تحقق في علم الفيزياء. وتبقى سرعة الضوء وهي 186 الف ميل (حوالى 300 ألف كيلومتر) في الثانية حتى الآن تشكل الحد الأقصى للسرعة في الكون، وعلى أساسها بنيت النظرية النسبية وبالتالي الفيزياء الحديثة.
"الذرة الإلهية"
بعد بحوث استغرقت عشرات السنين، وفي منتصف العام، وعد علماء هيئة البحوث الذرية الأوروبية (سيرن) انهم سيحاولون الاعلان في نهاية 2011 عما اذا كان جسيم هيغز بوسون" أو ما يصطلح عليه بـ "الذرة الإلهية" المتناهية الصغر، موجودة فعلا أم غير موجودة.
ووفى العلماء العاملين على جهاز "صادم الهادرون" بالوعد، ولو شكليا، عندما أعلنوا قبيل منتصف الشهر الأخير من العام أنهم لمحوا الجسيم الغامض. لكنهم لم يؤكدوا وجوده النهائي، وأرجأوا تأكيد أو نفي ذلك إلى عام 2012.
وتكمن أهمية هذا الجسيم الأصغر من الذرة في أن كتل المواد تنسب إليه. وإذا ما أكد العلماء نتائجهم فسيشكل ذلك اختراقا علميا كبيرا، يساعد في إلقاء مزيد من الضوء على ظواهر نشأة الكون بغية تفسيرها.
هل لكوكبنا توأم؟
اكتشاف مثير آخر أعلن عنه في 2011 عن كوكب ربما يكون توأما للأرض، وذلك عندما أعلن علماء من وكالة "ناسا" للفضاء وجود كوكب في "دائرة الحياة" ليس بعيد الشبه بالأرض.
أطلق على هذا الكوكب اسم "كيبلر 22-ب" ويقع على بعد نحو 600 سنة ضوئية عن الأرض وقطره أكبر من قطرها بمرتين ونصف تقريبا. ويعتقد أن درجة الحرارة عليه تبلغ 22 درجة مئوية، وبذلك يعتبر الكوكبَ ذا المواصفات الأقرب للأرض.
وليس معروفا بعد إن كان "كيبلر 22-ب" مكون من غازات أم سوائل أم صخور، لكن ناسا قالت انه واحد من 54 كوكبا، تم رصدها، يمكن أن تكون مناسبة للحياة.
وفترة دورة هذا الكوكب على شمسه، حسب فريق منظار كيبلر التابع لـ "ناسا"، أقصر من الأرض ولذلك فإن سنته أقل أياما من سنتنا بحوالى 75 يوما.
ويرصد منظار كيبلر عشرات الآلاف من النجوم لتسجيل المعطيات عنها بحثا عن كواكب جديدة.
البيئة: تظافر يد الطبيعة والنشاط البشري
من أكبر الكوارث التي شهدها عام 2011 كان زلزال اليابان العنيف (9 درجات حسب مقياس ريختر) الذي تبعته موجات هائلة من التسونامي. وتسبب في مقتل نحو 20 ألف شخص.
وفاقمت الخسائر المادية والبشرية الكارثة النووية التي تسبب فيها توقف نظام التبريد في بعض مفاعلات منشأة فوكوشيما النووية، الأمر الذي وضع المنطقة في دائرة الخطر النووي. وقد نزح آلالاف من المنطقة هربا من الاشعاعات النووية.
وشهد العام أيضا انعقاد قمة المناخ في مدينة دوربان في جنوب أفريقيا. وخلاله أكدت التقارير المقدمة للمؤتمر أن درجات حرارة الأرض في ارتفاع مستمر.
وقد أشارت المنظمة الدولية للارصاد الجوية في تقريرها للمؤتمر أن درجة حرارة الأرض "آخذة بالارتفاع، وهذا الارتفاع ناجم عن أنشطة بشرية".
وأكد تقرير آخر أصدرته مجموعة علمية أمريكية هذا الرأي.
فقد ذكر تقرير لـ "مشروع بيركلي" لعلوم الأرض أنه استخدم وسائل مختلفة وطرقا جديدة لتحليل المعلومات المستقاة من آلاف محطات الرصد حول العالم، لكنه توصل للنتيجة ذاتها التي قدمتها جهات أخرى مثل ناسا ودائرة الارصاد الجوية البريطانية، وكلها تؤكد أن حرارة الأرض تنحو للارتفاع.
وقالت المجموعة ان لديها دليلا على أن التغير في درجة حرارة البحر قد يشكل السبب الرئيسي في تغير درجة حرارة الأرض من سنة لأخرى.