الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

كيف نجح الناجحون وفشل الفاشلون؟


كيف نجح الناجحون وفشل الفاشلون؟
"لماذا يوجد إنسان سعيد وآخر شقي حزيـن؟
ولماذا يوجد إنسان فرح مسرور وآخر بائس كئيب؟
ولماذا هناك إنسان خائف وقلق، وآخر مليء بالثقة والإيمـان؟
ولماذا يحقّق إنسان نجاحا باهـرا، وإنسان آخر يفشل فشلا ذريعا؟"

نجح النّاجحون لأنّهم عرفوا أنفسهم من هم، عرفوا وزنهم حجمهم حقيقتهم محلّهم من الإعـراب ومن الوجود. لأنّهم فقهوا طبيعة دورهم ومهمّتهم في الحياة، نجح النّاجحـون لأنّهم عرفوا للوقت قيمته فاستثمروه إلى أبعد الحدود، لأنّهم رتّبوا ونظّموا شؤونهم الخاصة والعامّة، فهجروا التسرّع والاندفاعية، وطلّقـوا الارتجاليــة وحاربوا الفوضوية، نجح النّاجحون لأنّهم اقتنعوا وتبنّوا قِيَماً أصلية فحصّلوا العلم وأتقنـوا العمل واعتمدوا التّخطيط والتّقييم منهجا فأنتجوا وأنجزوا وأبدعـوا. نجح النّاجحون لأنّهم استمدّوا قوّتهم من خالقهم عزّ وجلّ، ومن استقامتهم وحسن أخلاقهم، نعم هكذا نجح النّاجحون.

نعــم للإيجابيــة
"هناك نوعان من الرّجـال: أحدهما به قوّة المغناطيس فهو يتمتّع بالإيمـان والثّقة واليقين، لأنّـه اكتشف كنز الثّروة الذي بداخله بعد أن تأمّل ذاته وفي الكائنات من حوله وفي عِظَم التّبعـات والمسؤوليات الملقـاة على عاتقه حينها استشعر القدرات الهائلة والطّاقات الرّهيبة التي زوّده بهـاالقـدر، وأنّه بإمكانه أن ينجز الكثير والكثير، وهويعلم أنّه ما وُلِد إلاّ لكي ينجح ويفـوز ويُحْـرِز الانتصار تلو الانتصار ويتحدّى، ويعيد الكرّة عند الفشل ويصبر ويستمرّ ويواصل ولا ينهزم.
قال بهي الخولي رحمه الله في كتابه القيّم "تذكرة الدّعاة": "واعلم يا أخي أنّ كلّ إنسان كائنا ما كان ينطوي على مناجم إلهية من العبقريات العظيمـة، وإمداد من العزائم والهمم، وكنوز من الفضائل التي تنضّر وجه الحياة، وتزدان بها الإنسانيـة، ولا سبيل إلى إثارة هذه المناجم النّفيسـة، إلاّ أن تثيرها باسم الله العليّ الكبير، فاسم الله وحده هو مفتاح هذه الكنوز الربّانية المغلقـة، ولا يضع الله هذا المفتاح إلاّ في يد العبد الربّاني الذي يتخلّق بصفات الربّانية الفاضلة، يجاهد نفسه حقّ المجاهدة ويقمع هواه في غير هـوادة، فيفضي بذلك إلى ما شاء الله من بطولة وتوفيقة فرحـم الله امرءً عرف قدر نفسه، وقدّر ربّـه، وقدٍّ المهمّـة التي خُلِق من أجلها، فسعى لها سعيهـا، فحمل الأمانـــة 
لا للسّلبيــــة
"وأمّا الشّخص الثّاني، فهو يغطّ في سبات عميق، لم يعلم شيئا عن منجم الذّهب الذي بداخلـه، لا
يتوفرٍّ على قوّة المغناطيس الجاذبة.يملأه الخوف والشكوك والتردّد، وتُسنح الفُرص العديدة أمام عينيه فلا يستغلّها ويقول لنفسه: "لا أستطيع"..."ربّما أفشل." هذا النّوع من الرّجال لن يذهب بعيدا، ولن يحقّق إلاّ النّزر اليسير من الإنجازات في حياته فحاله كحال من قال فيه الشاعر الحكيم:
كالعير في البيداء يقتلهـا الظّمأ ... والماء فوق ظهورها محمول
فهو لم يكشف ذاته، ولم يعرف بعد السرّ من وجوده، تقديره لذاته ضعيف بسبب تفكيـره السلبي
ونظرته الدّونية، فهو مقيّد مكبّل، أسير تصوّراته الوهمية إزاء نفسه وإزاء الحياة. قال تعالى: "الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا"(104-الكهف) قال.ج. ميرفي:
إنّ كل شقاء وكلّ شرّ يأتي من فهم الإنسان المظلم، ومن جهله وتفسيره الضّال للحياة"(2) 
وقال الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه، وهو أحد مؤسّسي مدرسة الوسطية والاعتدال في هـذا العصر: "إنهاّ لجريمة قتل أن ننتمي لهذا الدّين ثمّ لا نحسن فهمه، ثمّ لا نحسن عرضه، ثمّ لا نحسن الدّفاع عنـه"
وبعبارة أوضح إنّ جلّ مشكلات النّاس ناتجة عن فهم ساذج وعن خلل في العقيـدة وبالأحرى ضعف في التّوحيد. فكلّ تصوّر خاطئ يورّث سلوكات خاطئـة.
لأنّ وراء كلّ سلوك قصد ونيّة، ولذلك قال الصّادق المصدوق صلى الله عليه وسلّم في الحديث:
"إنّما الأعمال بالنّيات، ولكلّ امرئ ما نوى...". والتصوّر الصّحيح يورّث سلوكات صحيحـة.
ودعني أقول: أنّه ما من محنة أو بلية تنزل بساحتنا إلاّ بسبب خطإ في السّلوك، ناتج عن خطإ في التصوّر والاعتقـاد، وما من مشكلة تصيب إنسانـا ما إلاّ بسبب معصية ارتكبهـا، ما من معصية ارتكبهـا إلاّ بسوء تصوّره.
إنسان يتوهّم أن الرّزق يأتيه من معصية، تصوّر واعتقاد خاطئ ينمّ عن جهل فظيع. والأصل أنّه: "ما ترك عبد شيئا لله، إلاّ عوّضه الله خيرا منه في دينه ودنياه" فبالعلم تُزال التصوّرات الخاطئة والعقائد الفاسدة، ومن قرأ بابا في العلم سلِم ونجا وسعِد. ولو نقرأ القرآن الكريم قراءة وتلاوة صحيحة لاكتسبنا تصوّرا صحيحا. فالحرام والمعاصي والشّبهات مدمّرة، من يقترب منها يحترق، لأنّه إذا صحّت عقيدتك صحّ دينك. وما أكثر تصوّراتنا الخاطئة عن الدّين وعن الحياة بصفة عامّة. فانظر كيف كان تصوٍّر الصّحابة لمفهوم الإفلاس أو المفلس.
قال لهم رسول الله: "أتدرون من المفلس؟ قالوا:المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس فيكم من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته،
فإذا فنيت أخذ من سيّئاتهم ثمّ رُمِيَ به في النّأر." إذن تصوٍّرهم لمفهـوم الإفلاس كان خاطئا لا شكّ، ونحن كذلك اليوم الكثير منّا لا يملك تصـوّرًا صحيحا عن الصّلاة والصّيـام والحجّ، وعن الانفاق وهلّم جـرا..فينبغي أن ننتبه ونتعلّم جيّدا ولذلك ثبت في الحديث الشريف: "من يرِد الله به خيرا يُفقِّهْه في الدّين" إذن نجاحنا فلاحنا أن نملك تصوّرا صحيحا للدّيـن، ولمفاهيم وقوانين الحيـاة وما أكثرها! أنظر المسلميـن اليوم كيف يفهمون الدّين فهما سطحيا ساذجا. التصوٍّر والاعتقاد الصّحيح معناه مستحيل أن تعصيه وتربـح، وبالمقابل مستحيل أن تطيعه وتخسر.
للأسف الشّديد الكثير ممّن يملكون تصوّرا خاطئا عن حقيقة دينهـم. تصوّروه شعائر تعبّديـة فقط، الدّين عندهم شعـارات، فصلوا الدّين عن السّلوك، فهموه عبادات فقط ما فهموه ورعاً وخشيةً وأمانةً. وهذا شاهد من السّيرة على سبيل المثال لا الحصـر: "تخلّف الصّحابي الجليل كعب بن مالك عن الجهـاد ومعه نفر كثير من المنافقين اعتذروا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقبل أعذارهـم، أمّا كعب فقد كان بإمكانه أن يفعل –وخاصّة وقد أوتي جدلاً (قوّة إقناع) كما يقول عن نفسه- لكن لصدق إيمانه أبى بل اعترف بخطئـه، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: "أمّا هذا فقد صدق" إذن فصحّة التصوّر والاعتقاد أساسه التّوحيد.

كمــا تفكــر تكــون
وقبل أن تنطلق عليك أن تتحرّر من كلّ القيـود والخلفيات المسبقـة، وأن تترك الخوف الوهمي وكثرة الشّكـوك، والتنصّل من الفِكَر السّلبيـة التي تولّد بدورها مشاعر سلبيـة، وأن تكنس كل الرّواسب العالقة والمخزّنة منذ أمد بعيد. فالأصل في حياة الإنسان الإيجابية إنْ على مستوى التّفكير أو المشاعر أو السّلوك. فمن عنده فشل أو تعاسة أو خوف فليركّز على عكسه، وبعبارة أوضح أن يُقبل على ما يريد لا على ما لا يريد. وأنْ يغيّر طريقة تفكيـره بكسر النّمط الدّائـري الذي طالما سبّب لصاحبه إخفاقات وإحباطات بل وأمراض دون أن يشعر، ولذلك قيل: "غيّر أفكارك كي تغيّر مصيـرك" فإذا فكّرت في الخير فسوف يتدفّق الخير، وإذا فكّرت في الشرّ فسوف ينتج الشرّ، والمثل العربي يقـول: "تفاءل بالخير تجده"، فالإنسان هو: ما يفكّر فيه طوال النّهار، ولأمر ما قال أحد الفلاسفـة: "أنا أفكّر أنا موجود" قال الشيخ الغزالي: "كما قال
الإمبراطور الرّوماني "ماركوس أوراليس": "إنّ حياتنا من صنع أفكارنـا".
وعليه إذا نحن ساورتنا أفكار سعيدة كنّا سعداء، وإذا تملّكتنا أفكار شقيّة غدونا أشقيـاء، وإذا خامرتنا أفكار مزعجة تحوّلنا خائفين جبناء، وإذا تغلّبت علينا هواجس السّقم، والمرض، فالأغلب أن نبيت مرضى سقماء.
وهكذا قـال "ديل كارنجي""إنّ أفكارنـا هي التي تصنعنا واتّجاهنا الذّهني هو العامل الأوّل في تقريـر مصيرنا"
وقال "إيمسون""نبّئني ما يدور في ذهن الرّجل، أنبّئك أيّ رجل هو
وقـال الشيخ الغزالي دائما: "واعتقادي الجازم أنّ المشكلة التي تواجهنا هي: كيف نختار الأفكار الصّائبة السّديـدة؟ فإذا انحلّت هذه المشكلة انحلّت بعدها سائر مشكلاتنا واحدة إثـر أخرى
إنّ الطريق للخلاص من الظلمة هو النور، وطريقة التغلب على البرد بالحرارة، وطريقـة التغلب على الأفكار السلبية باستبدالها بأفكار طيبـة، أكّدْ على النية الطيبة تختفي النية السيئة.
والحلّ أن تفضفض وتخرج كلّ الوساوس والمشاعـر السّلبية التي تملأ نفسك، وتضع نصب عينيك هدفا واحدا وهو: أن تتغلّب على نقائصك لترتقي في سلّم الكمال البشـري وإلاّ فلا تحسّن. تخيّلْ نفسك سعيدا متألّقـا رابط الجأش مُعافى وستكون كذلك، والعكس صحيح. فالسّعادة فكرة والشّقـاوة فكرة وكلّ التّجارب النّاجحة بدأت بفكرة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

العاب بيل

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites