يستخدم مصطلح الإسقاط النجمي Astral Projection عادة لتفسير حالة الخروج من الجسد والتي تعرف إختصاراً بـ OBE ، ويستند هذا المفهوم على فرضية وجود جسد آخر (نجمي) يكون مفصولاً عن الجسد المادي وقادراً على السفر خارجه إلى مستوى آخر علوي يطلق عليه المستوى النجمي Astral Plane ، وتعود جذور فكرة السفر النجمي إلى العديد من المعتقدات الدينية والتي تتناول حالة "ما بعد الحياة"، تلك الحالة التي يهاجر فيها الوعي أو النفس في رحلة تعرف باسم تجربة خارج الجسد ، ولذلك كان لهذه الفكرة علاقة مع تجربة الموت الوشيك والمعروفة إختصاراً بـ NDE وأيضاً مع النوم والأحلام والأمراض وحتى مع العمليات الجراحية والوقوع تحت تأثير المخدر وشلل النوم وأشكال متعددة من التأمل. سنتناول في هذا المقال فلسفات ومعتقدات عن الإسقاط النجمي وكيفية القيام به والمقابلة التي أجريت مع جيري جروس الذي يقيم دورات تدريبية حول الإسقاط النجمي على شكل ورش عمل.
1- مصر القديمة
برزت مفاهيم متشابهة عن "رحلة النفس" في عدد من الديانات والمعتقدات الدينية ومنها تعاليم المصريين القدامى حيث كان يعتقد بأن للنفس القدرة على أن تحوم خارج الجسد المادي بشكل (كا ) أو جسد رقيق (أثيري). غالباُ ما تترجم (كا)على أنها الروح لكنها تعني أكثر من ذلك بالنسبة للمصريين القدامى ، فقد تعني السلطة أو النفوذ الذكري ، وكذلك طاقة الحياة المبدعة والمستمرة. ترسم الكلمة (كا) في اللغة الهيروغليفية على شكل ذراعين مرفوعين، (كما في الصورة) كما تكون مرسومة على طاولة القرابين التي تقدم للآلهة لأنها تعبر عن طاقة الحياة المبذولة.
2- الصين
تعتبر الطاوية مجموعة من المعتقدات الفلسفية والدينية التي أثرت على الجزء الشرقي من آسيا والصين تحديداً لأكثر من 2000 سنة كما انتشر أثرها على العالم الغربي في القرن 19. وفي هذا الصدد تروى قصة عن أحد الطاويين اسمه (زيانغزي):
"سقط (زيانغزي)نائماً وأرخى رأسه على الطبل الذي أصبح وسادة له ، نال النوم منه سريعاً وأصبح يشخر دون أي حركة من جسمه، تقدمت روحه البدائية إلى غرفة الطعام مباشرة وقالت :"سادتي ..أنا هنا مجدداً". وعندما مشى (تويزهي) مع أفراد الحكومة ليلقوا نظرة وجدوا طاوياً ينام على الأرض وكان صوت شخيره كالرعد ، وفي الداخل أيضاً في الغرفة الجانبية كان هناك طاوياً آخر يقرع على طبل ويغني أغان طاوية ، الجميع قالوا :"مع أن هناك شخصين مختلفين إلا أن وجوههما وملابسهما متطابقة تماماً ، ومن الواضح أنه شيء رباني وخالد لقدرته على أن يفصل جسده ويظهر في عدة أماكن في نفس الوقت ". وفي تلك اللحظة رجع الطاوي الذي كان في الغرفة الجانبية فيما استيقظ الطاوي النائم على الأرض ، فاتحد الإثنان ليكونا واحداً".
3- الهند
يُلاحظ في مخطوطات هندوسية قديمة مثل (يوغافاشيشتا-ماهارامايانا) لمؤلفها (فالميكي)تشابهاً مع أفكار المتصوفة الآخرين ، وحديثاُ قدم عدد من الهندوس خبرتهم في مجال الإسقاط النجمي بينهم (باراماهاسنا يوغاناندا ) و (أوشو) و (باغوان شري راجنيش).
4- الكتاب المقدس
ورد ذكر الخروج من الجسد في الكتاب المقدس بعهده الجديد وعند الإصحاح 12 من رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس :
"(2) اعرف انساناً في المسيح قبل أربع عشرة سنة أفي الجسد لست اعلم أم خارج الجسد لست اعلم.الله يعلم. اختطف هذا إلى السماء الثالثة. (3) واعرف هذا الانسان أفي الجسد أم خارج الجسد لست اعلم.الله يعلم. (4) انه اختطف الى الفردوس وسمع كلمات لا ينطق بها ولا يسوغ لانسان ان يتكلم بها".
وفقاً لعلماء اللاهوت يعتبر الجسد الأثيري هو صلة الوصل بين الروح (بمعنى الشرارة القدسية التي تهبنا الحياة) وبين الجسد المادي، ويصل بين الجسدين المادي والأثيري حبل من ضوء يسمى الحبل الفضي، وهو يعد مقابلاً للحبل السري الذي يصل الجنين بالمشيمة ويلزم قطعه وربطه عند الولادة، أما هذا الحبل الفضي فينقطع من تلقاء نفسه عند الوفاة فتتوقف بانقطاعه الحياة في الجسد المادي.
5- الإسلام
ذكر الله في القرآن الكريم :"الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" - الزمر 42
- وفي تفسير القرطبي ، قوله تعالى : "الله يتوفى الأنفس حين موتها " أي يقبضها عند فناء آجالها ، والتي "لم تمت في منامها " اختلف فيه .فقيل :يقبضها عن التصرف مع بقاء أرواحها في أجسادها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى وهي النائمة فيطلقها بالتصرف إلى أجل موتها ، قاله ابن عيس . وقال ابن عابس وغيره من المفسرين أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله منها ، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى الأجساد أمسك الله أرواح الأموات عنده ، وأرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها . وقال سعيد ين جبير : "إن الله يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا ، وأرواح الأحياء إذا ناموا فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى " أي يعيدها . قال علي رضي الله عنه : "فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة ، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها تلقيها الشياطين ، وتخيل إليها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة".
- ويذكر في السيرة النبوية
نام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في السفر بعدما تكفل بلال بإيقاظهم لصلاة الفجر كلن غلبه النوم، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال لأصحابه: (إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردها عليكم حين شاء، يا بلال ! قم فأذن بالصلاة... )- وهو حديث صحيح يدل على أن الروح تخرج من الجسد عند النوم، ولكن يبقى لها معه تعلق واتصال، ولذلك يستمر في التنفس والحياة، وإلا فلو كان خروجاً كلياً كخروجها عند الموت لكان لجسده شأن آخر فيما يحدث له من الفناء.
- معجزة الإسراء والمعراج : تجربة خارج الجسد ؟!
الإسراء والمعراج هي رحلة قام بها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حوالي عام 632 أو ما بين السنة 11 إلى 12 في التقويم الهجري وتعتبر من المعجزات ، الإسراء هي الرحلة التي أخذ بها النبي محمد من قبل جبريل ليلاً من مكة إلى بيت المقدس في فلسطين، وهي رحلة استهجنت قبيلة قريش حدوثها لدرجة أن بعضهم صار يصفق ويصفر مستهزئاً ولكن النبي محمد على تأكيدها وأنه انتقل بعد من القدس في رحلة سماوية بصحبة جبريل أوحسب التعبير الإسلامي عرج به إلى الملآ الآعلى عند سدرة المنتهى أي إلى أقصى مكان يمكن الوصول إليه في السماء (السماء السابعة) وعاد بعد ذلك في نفس الليلة. ويذكر القرآن الكريم تلك الحادثة في مطلع سورة الإسراء :"سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله".
اختلف علماء المسلمين في الإسراء والمعراج : هل كان بروح النبي -صلى الله عليه وسلم وجسده أم كانت بروحه فقط كما يحدث في الإسقاط النجمي أو تجربة خارج الجسد بعد أن تجاوزت الرحلة كل ما وصل إليه بشر لتصل إلى السماء سدرة المنتهى ؟
ولكن الرأي الذي يرجحه العلماء من المحدثين والفقهاء أن هذه الرحلة تمت بالروح والجسد معاً وإلا لما حصل لها الإنكار المبالغ فيه من قبيلة قريش، وأن هذه الرحلة تجاوزت حدود الزمان والمكان والله أعلم.
6- الفلسفات الغربية
يرى المتصوفون الغربيون سواء أولئك الذين عاشوا في فترات العصور الوسطى أو النهضة أن الجسد النجمي هو جسد نوراني يتوسط ما بين النفس العاقلة والجسد المادي حيث يصل بينهما. بينما يرون أن الفضاء النجمي هو عالم وسيط من النور يقع ما بين الفردوس والأرض ويتكون من عالم من الكواكب والنجوم التي تسكنها الملائكة والشياطين والأرواح.
- تشكل تلك الأجساد الرقيقة والمستويات التي تتواجد فيها عنصراً جوهرياً من الأنظمة الأثيرية التي تتعامل مع الظاهرة النجمية.ووفقاً لرأي الفيلسوف الإغريقي بلوتينوس فإن الفرد هو عبارة عن عالم مصغر أو ميكروكوسم Microcosm من العالم الكبير الذي هو الكون أو الماكروكوسم Macrocosm. وأن النفس العاقلة تكون مماثلة للنفس العليا للعالم، بينما يكون الكون المادي كالجسد المادي مصنوع كصورة متلاشية من التجلي، كل مستوى لاحق من التجلي على علاقة سببية بالذي يليه ". وغالباً ما تمثل تلك الأجساد ومستويات وجودها بسلسلة من الدوائر المتحدة المركز أو الكرات المتداخلة كل منها يحوي جسد منفصل بداخلها يحاول إجتيازها للدخول في عالم آخر مجاور ، نجد أن التأثر بفكرة الإسقاط النجمي واضحة في أعمال الفرنسي المتصوف إليفاس ليفي (1810-1875) والتي تبنتها فيما بعد المتصوفون (الثيوصوفيين) وجمعية الفجر الذهبي ممن زاولوا السحر والتي كان أليستر كراولي من أتباعها في بداية طريقه . وتبين الصورة بورتريه إليفاس ليفي مع رسم النجمة الخماسية تيتراغراماتون الذي يعبر عن الميكروكوسم أو المخلوق البشري.
0 التعليقات:
إرسال تعليق